ستة أيام نسفت أسوار الخوف

الكاتبة شمس عنتر

حافلات قادمة من دير الزور إلى القامشلي تعلوا الأصوات منها ممجدة صدام حسين ،كان الناس مندهشين لم يعلموا ما ورائه ويتساءلون، ترى ما هي إنجازات صدام حسين سوى أنه قمع شعبه بوحشية بالغة وخاصة الكرد منهم وهو من قام بمجازر ضدهم كحلبجة والانفال.
فريق الفتوة الذي نزل من تلك الحافلات في ملعب القامشلي ليلعب مباراة كرة قدم مع فريق الجهاد محملين مع الحجارة بحقد دفين ،لا بارك الله فيمن زرعه في قلوبهم.
أثناء المباراة عاد مشجعي الفتوة لترديد نفس الشعارات التي تمجد صدام حسين وزادوا عليه بإسقاط الرموز الكردية فرد مشجعي الجهاد عليهم، ولم يمضي الكثير من الوقت لتمطر السماء حجارة و تخرج الأمور عن السيطرة و تتدخل قوات الأمن وتستعمل الهراوات الغليظة ،ثم الرصاص الحي وانتشرت الأخبار عبر المذياع عن اعمال شغب في ملعب القامشلي فتجمع الناس للاطمئنان على اولادهم وكانت قوات الأمن لهم بالمرصاد لتضرب كل من طاله العصى وتطارد الشبان الهاربين منهم وتكون الحصيلة ستة شهداء و “بالصدفة البحتة ” كلهم كورد .
لم تنم القامشلي في تلك الليلة فقد كانت تحضر لمراسيم دفن شهدائها حيث خرج كل الكورد في اليوم التالي موحدين خلف الجثامين ومشت المسيرة نحو المقبرة الشرقية وعندما وصلت دوار سوني فجأة بدأ اطلاق وابلِ من الرصاص ليتفرق وحدة مجاميعهم التي استشعر النظام خطرها فلم يسلم حاملي النعوش من نيران النظام ويستشهد حامل الشهيد ويصل عددهم نحو أربعين شهيدا والمئات من الجرحى وألاف المعتقلين .
ففرّغ الشباب جام غضبهم على مراكز الأمن والمخابرات ومقار حزب البعث حيث كسروا محتوياتها و اسقطوا تمثال حافظ الأسد في اليوم التالي ، واسّمعوا صوتهم لكل العالم بأن هناك شعب مسالم يذبح بوحشية، وسادت الفوضى وتجددت الاعتقالات وتم سلب ونهب المحال التجارية للكورد بكل وقاحة تحت سمع وبصر النظام .
وتجهز الجيش مدعوما بالدبابات وطائرات الهيلوكوبتر للتدخل لولا نصح البعض لهم بأن هناك وقائع جديدة على الأرض ولا يمكن أن تكون حماة ثانية وتم حصد شباب الكورد بالألوف ليرموا في اقبية السجون ، وطالت الانتفاضة جميع المدن الكوردية وصلت حتى العاصمة دمشق وحلب حيث انتفض الطلاب والجامعين الكورد فطالتهم الاعتقالات.
و خرج الكورد في اوربا و امريكا و هاجموا السفارات السورية في كل دول العالم حتى أعلنت اوربا و امريكا ان المنطقة في خطر و يجب على رعاياها مغادرة المنطقة بأسرع وقت.
صحيح أن الانتفاضة لم تدم الا حوالي أسبوع لكنها عادلت عقدا من الزمن فقد كسرت حاجز الخوف الذي تفنن النظام في بنائه لنصف قرن من الزمن.
وكانت تستعين السلطات القضائية بمجموعة واسعة من الأحكام الجنائية التي تعاقب عدد كبير من الأنشطة السلمية، ومنها الممارسة المشروعة لحرية التعبير وتكوين الجمعيات. وتشمل هذه الأحكام.
(1) أحكام تجرم إطلاق أي دعوات يمكن وصفها بأنها تؤدي إلى “إثارة النعرات الطائفية أو العنصرية” (مادة 307 من قانون العقوبات السوري)
(2) أحكام تجرم “كل أعمال أو خطب أو كتابات” يمكن تفسيرها على أنها تدعو إلى “اقتطاع جزء من الأرض السورية لضمه إلى دولة أجنبية” (مادة 267)
(3) أحكام تجرم “كل حشد أو موكب على الطرق العامة أو في مكان مباح للجمهور… بقصد الاحتجاج على قرار أو تدبير اتخذتهما السلطات العامة” وتعاقب عليه بالحبس من شهر إلى 12 شهراً (مادة 336).
ومعلوم أن قانون العقوبات السوري يجرّم من أقدم “دون إذن الحكومة على الانخراط في جمعية سياسية أو اجتماعية ذات طابع دولي أو في منظمة من هذا النوع” (مادة 288 من قانون العقوبات). وبما أنه لم يكن هناك قانون للأحزاب السياسية في سوريا، فإن كل الأحزاب السياسية – وليس الأحزاب الكردية فقط – كانت غير مرخصة، وبالتالي فإن جميع أعضاء الأحزاب السياسية الكردية عرضة للاعتقال وإصدار الأحكام بحقهم في أي وقت ، فكانت موجة فرار جماعية للشباب إلى إقليم كوردستان العراق فالنظام يرى إلى يومنا هذا تهديدا للهوية الكوردية عليه.
وبالتالي فإن الحياة السياسية الطبيعية معدومة في البلاد، والسياسة الوحيدة المتبعة هي إنكار وجود الآخر وقمعه، وبالتالي إبقاء السيف مسلطاً على رقاب كل القوى السياسية بحجة الانتماء إلى أي حزب أو تجمع غير مرخص.
خلفت الانتفاضة خطوات انتقامية أخرى للنظام موجهة للكورد ،بدأتها بإصدار مراسيم جائرة وشد الخناق عليهم ، وفصل الطلبة الكورد من الجامعات.
فكانت موجة نزوح تحت وطأة الفقر الممنهج إلى الداخل السوري رغم أن الجزيرة هي السلة الغذائية الأساسية لسوريا كلها الا أن سياسية التجويع مُرست على الكورد الذين تفرقوا بكل اصقاع العالم وكان المرسوم الذي صدر ايلول ٢٠٠٨ الذي ضيق الخناق على حركة بيع وشراء العقارات في المناطق الحدودية موجهة للكورد حصرا وجرى حظر أي شكل من أشكال المظاهرات والاحتفالات الثقافية وأساء معاملة المحتجزين ولم يفتح أي تحقيق في وقائع إطلاق النار إلى يومنا هذا..
ولم نسمع وقتها أي صوت لمظلوم عربي في سوريا وكأنهم تعرفوا حديثا على القومية الكوردية الموجودة بسوريا ، فكانت تلك مصيبة أخرى .

بقلم الكاتبة شمس عنتر

شاهد أيضاً

استقالة القيادية في مكتب المرأة في أنكسي، ونعمة داوود يعتبر الحديث في الشأن العام «قال وقيل »

خاص: Nûdem صورة للسيدة آريا جمعة@خاص Nûdem قدمت السيدة آريا جمعة القيادية في اتحاد نساء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *