مفهوم التدخل الدولي

الكاتب والمحامي سعد حسين

 هو  التدخل في الشؤون الداخلية، أو الخارجية لدولة أخرى بقصد تنفيذ  أو الحيلولة دون تنفيذ عمل أو فرض خضوع معين. أن الدولة المُتَدَخِلة تتصرف عن طريق السلطة، وتسعى لفرض إرادتها بممارسة ضغوط مختلفة (إقتصادية، سياسية، وعسكرية  والدبلوماسية) وترجع إلى ما ترغب به الدولة. وغالبا ما يتم التدخل عسكريا اذا لم يؤد التدخلات الأخرى الى النتيجة التي تريدها الدولة او الدول  المتدخلة ، خاصةً عندما تكون أمام مخاطر جديـة كالإبـادة الجماعيـة، والتطهير العرقي الذي يتطلب التحرك بشكل قوي وسريع يتم فيه اللجوء إلـى القـوة العسكرية، فالوسائل غير العسكرية تحتاج لوقت طويل لكي تحقـق أهـدافها الخاصـة.  والتدخل وفق  القانون الدولي يعتبر  عمل  من جانب دولة او دول  ما في شؤون دولة أخرى، بغية الإبقاء على النظام السائد فيها أو تغييره، وقد يكون هذا التدخل مشروعاً أو غير مشروع، لكنه عندما يتعلق باستقلال الدولة المعنية أو أراضيها وسيادتها، فيكون هذا التدخل ممنوعاً بموجب القانون الدولي، لأن القانون وضع   لحماية الشخصية الدولية لدول العالم.وقد يكون التّدخل مبنياً على حق أو على غير ذلك، لكنّه في كلتا الحالتين يتعلق باستقلال الدولة المتدخل في شؤونها وسيادتها.ان مفهوم عدم التدخل من أهم مبادئ الاختصاص الإقليمي و المعبر عن سيادة الدولة،و  التي تعكس مدى هيمنتها على اختصاصها الإقليمي فهي لا تخضع للرقابة في مجال محافظتها على استقلالها و إدارة مصالحها السياسية الخاصة، ومرافقها العامة، لأن هذه الأنشطة تؤول إلى اختصاصها الداخلي او الاقليمي . 

وقد تم   التفريق بين التدخل والعدوان، معتمداً على معيار الشرعية، فمن الممكن وجود عمل ما يعد إتيانه خرقاً للقانون الدولي، بينما ينظر إليه من جانب آخر على أنه عمل مدَّعم بالشرعية السياسية الدولية  التي يتم بمقتضاها إسناد القيم والمصالح بوصفها تعبر عن مدى الإستجابة الضرورية لإحتياجات الجماعة الدولية من أجل استقرار النظام الدولي. ولذا يعد أي سلوك تمارسه دولة للسيطرة على دولة، أو دول أخرى بهدف تغيير النظم الداخلية، وإيجاد نظم جديدة من خلال قوة الدولة وأدواتها بما يحمي مصلحتها الوطنية ويعززها  تدخلاً دولياً،  وعلى هذا تكون ( الشرعية الدولية) مستندة الى قارات الامم المتحدة ومجلس الامن بوصفها قبولاً عاماً دولياً لإجراءات معنية و هي التي تحدد متى تتحول حالات التدخل الدوليّّّ إلى حالات عدوان دولي. أنّ التدخل الذي يرمي إلى إحداث تعديل في شؤون الدولة المستهدفة، من خلال خلق حقائق جديدة تشمل تغيير الحكومة، أو حتى النظام السياسي  يعدّ مخالفاً للعرف الدوليّ القائم على احترام سيادة الدولة واستقلالها، ورغم تنوع أنشطة التدخل سواء كانت  إقتصادية، أو عسكرية، فإنها جميعاً تهدف إلى إجبار الدولة الصغرى ،والضعيفة على انتهاج سياسة تتناسب مع مصالح الدولة الكبرى والقوية. و من الممكن القول أنّ تعرض دولة ما لتدخل بشؤونها الداخلية أو الخارجية من قبل دولة أخرى بقصد إبقاء الأولى لأمر ما في نظامها الداخلي، أو الخارجي أو تغييره، يعد أحد مكامن الخطر لتفكك هذه الدولة، كونه يدل على عدم التجانس الإجتماعي والسياسي في الدولة، فإذا استعان الطرف الأول بحليف خارجي يجبر الطرف الثاني على الاستعانة بحليف خارجي له لتحقيق تكافؤ على الساحة الداخلية والخارجية، وبذلك قد يتحول مجرى النزاع داخل هذه الدولة من نزاع داخلي إلى نزاع إقليمي أو دولي، وفي الحد الأدنى يبقى نزاعاً داخلياً، ولكن بأبعاد خارجية، إقليمية أو دولية، وهو الشكل الأكثر انتشاراً من بين النزاعات والحروب الداخلية والأهلية تحديداً تلك التي على خلفية اثنية أو دينية.

إن مفهوم التدخل الدولي الإنساني  بتعلق بمفهوم حقوق الإنسان لكن ظاهرة عولمة المفاهيم جعل منها مفاهيم مطاطة ومفرغة من محتواها الحقيقي، أو مفاهيم توظف لـخدمة مصالح سياسة دولية معينة ،  كما أصبحت حماية حقوق الإنسان من الاختصاص العالمي، وبالتالي هناك إمكانية التدخل في أي دولة إذا ما تبث اضطهاد لهذه الحقوق ولو باستعمال القوة المسلحة من أجل ردع هذا الانتهاك الصارخ، وهذا ما يصطدم بمبدأين مهمين هما:* مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول * مبدأ السيادة.  وبالتالي هناك تراجع لمفهومي السيادة ومبدأ عدم التدخل أمام تطور قواعد حقوق الإنسان نحو العالمية ، ذلك أن مفهوم السيادة لم يتعرض للانتقاص كما يتعرض له في هذه الأيام، بحيث لم يعد ممكنا تعريف السيادة بمعزل عن حقوق الدولة العالمية والتي تتمثل في ممارسة حق التدخل الدولي الإنساني. والتدخل العسكري يمكن ان يتحول الى الاحتلال عندما تبقى القوات المتدخلة في تلك الاراضي لفترة و تفرض  واقع معين وممارسة الدولة المتدخلة سلطتها الفعلية عليها.

 والله ولي التوفيق.

الكاتب والمحامي سعد حسين

شاهد أيضاً

لينا ميرزا.. هدفنا كسر حاجز الخوف لدى الأطفال، ودمجهم في المجتمع

تقرير: دلما حمو، مراسلة Nûdem ١- Nûdem: كيف تبلورت فكرة المركز لديكم، وكيف بدأت؟ كنت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *