سيرة الخالد المُلا مصطفى البارزاني

الكاتب والمحامي سعد حسين

يمر علينا اليوم  الذكرى السنوية لرحيل الخالد الملا مصطفى البارزاني  فمن هو : هو مصطفي بن الشيخ محمد البارزاني ولد في 14 مارس/آذار 1903  في منطقة بارزان يتيما اذ توفي والده قبل ولادته ، . ولم يكد يصل  إلى الثالثة من عمره ، حتى ساق الأتراك حملة تأديبية على العشائر الكردية عام 1906 فأسروا الشيخ عبد السلام الأخ الأكبر لمصطفى وسجنوا الطفل مع أمه ، فقضيا في الحبس تسعة أشهر .، وهو في شبابه شارك أخاه الأكبر أحمد البارزاني في قيادة الحركة الثورية الكردية للمطالبة بالحقوق القومية للأكراد ولكن تم أخماد هذه الحركة من قبل السلطة الملكية في العراق والقوات البريطانية المحتلة. وفي عام 1935 تم نفي مصطفى البارزاني إلى مدينة السليمانية مع أخيه أحمد البارزاني.وفي عام 1942 هرب البارزاني من منطقة نفيهِ ليبدأ حركته الثورية الثانية، وفي إيران وبدعم من الاتحاد السوفيتي أقام الكرد في عام 1945 أول جمهورية كردية في منطقة مهاباد في إيران، وخدم الملا البارزاني كرئيس لأركان الجيش في جمهورية مهاباد والتي لم تمد طويلًا، فبعد 11 شهرًا من نشوئها تم وأدها من قبل الحكومة الأيرانية وذلك بعد انسحاب القوات السوفيتية من شمالي إيران تحت ضغط القوى الكبرى التي تمركزت قواتها جنوبي إيران، وكانت القوات السوفيتية قد دخلت الأراضي الإيرانية أبان الحرب العالمية الثانية.بعد أنهيار الدولة الكردية الوليدة في مهاباد، توجه البارزاني إلى الاتحاد السوفييتي مع حوالي  500‪ من  بيشمركة. سيرًا على الأقدام مجتازين حدودًا جبلية وعرة في إيران وتركيا حيث واجهوا عقبات كثيرة في طريقهم وصولاً إلى الحدود الأذربيجانية السوفييتية وبقوا هناك عشرة سنوات .

بعد حركة 14 تموز 1958 أصدرت الحكومة العراقية والتي كان يترأسها عبد الكريم قاسم قرارًا بالعفو عن جميع مؤيدي  البارزاني والذين شاركوا بحركات ضد  العهد الملكي. وفي يوم ٦ أكتوبر من نفس السنة عاد البارزاني إلى العراق قادمًا من الاتحاد السوفيتي  من ثم  أجيز الحزب الديمقراطي الكردستاني ولقد كانت علاقة عبد الكريم قاسم بالبارزاني متينة وجيدة في البداية ولكن هذه العلاقة تدهورت بعد ان  نشرت صحيفة خبات الناطقة بإسم الحزب الديمقراطي الكردستاني في النصف الثاني من عام 196‪0حملة دعائية تنادي بضرورة تطبيق الديمقراطية في العراق وبمنح الحقوق القومية للشعب الكردي .في أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1960 طلب قاسم من وزير الأشغال والإسكان عوني يوسف بأن يبعد البارزاني من رئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني بحجة كون البارزاني زعيم قبلي لا يصلح لزعامة الحزب ولكن المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني رفض طلب قاسم. بعد عودة البارزاني من زيارته إلى الاتحاد السوفيتي في شهر كانون الثاني/يناير من سنة 1961 حيث قابل البارزاني عبد الكريم قاسم في شهر شباط  لم يظهر قاسم الود والترحيب كما كان في السابق للبارزاني والذي حاول تجديد الولاء للحكومة العراقية والتي كان يرأسها قاسم نفسه وبعد هذه المقابلة أحس البارزاني من إن الجو لم يعد ملائماً لبقائه في بغداد خشية من إعتقاله أو تدبير محاولة لإغتيالهِ فقرر البارزاني ترك بغداد والرجوع إلى كردستان وذلك في شهر آذار  من نفس العام. 
وبعد تولي الرئيس العراقي عبد السلام عارف الحكم إتفق مع عدد من القادة الكرد (سياسيين وعسكريين) ومن ضمنهم البارزاني على حل شامل للقضية الكردية حيث أعلن اتفاق نيسان/أبريل عام 1964م، والذي تضمن منح الكرد الحقوق الثقافية والإسهام في الحكم وبعض الحقوق الأخرى، إلا أن التيار القومي العربي تمكن من التسلل إلى السلطة ونسف كل ما أتفق عليه فاستمرت الدولة باجراءاتها القمعية للشعب الكردي، فتجدد النزاع المسلح بين الطرفين، وظلت القضية الكردية تؤرق حكومة بغداد والبارزاني يقضّ مضجع القيادة العراقية.بعد 9 سنوات من الحرب بين الكورد بقيادة البارزاني أضطرت الحكومة العراقية إلى الاتفاق مع البارزاني في إتفاقية الحكم الذاتي للكورد  عام 1970. ولكن الحكومة العراقية ولمحاولتها التنصل من الاتفاقية و ومن حقوق الكورد فقد حاولت اغتيال البارزاني  ففي  29 سبتمبر والذي صادف يوم الأربعاء من عام 1971 تعرض الملا مصطفى البارزاني لمحاولة اغتيال حيث وصل وفد من الحكومة العراقية بسيارتين برئاسة الشيخ عبدالجبار الأعظمي لمقابلة البارزاني في مقره بحاج عمران الواقعة بالقرب من الحدود العراقية الإيرانية  بدأ الاجتماع بين البارزاني والوفد الحكومي  وفي الساعة الخامسة بعد الظهر حصل الإنفجار في غرفة الاجتماع. وبسبب علاقة الشيخ الأعظمي بالبرزاني وبسبب حالة التقارب مابين الحركة الكردية والحكومة العراقية من وجه النظر الكوردية.  فأن إجراءات التفتيش للوفد الحكومي العراقي لم يصحبها التدقيق والتفتيش الكثير وقد قتل من جراء ذلك الانفجار ثلاثة أفراد من أعضاء الوفد الحكومي بالإضافة إلى الشخص الذي كان يقدم الشاي للضيوف وكان يدعى محمود شريف نزاري وعند خروج البرزاني من غرفة الاجتماع التي وقع فيها الأنفجار قام أحد سائقي السيارات التي كانت تقل الوفد الحكومي بإلقاء قنبلة يدوية على البرزاني مما أدى إلى إصابة البرزاني بجرح بسيط حيث تم إسعافه من قبل الدكتور محمود عثمان  (تم إخراج الشظية التي أصابت البارزاني بعد عدة أيام) . 
ولكن بسبب ممارسات الحكومة العراقية والعزم على  تنصلها من الاتفاقية بعد فشل محاولة الاغتيال  فقد قامت حكومة البعث العراقي بالانقلاب على اتفاقية الحكم الذاتي عام 1974م وتوقيعهم لاتفاقية مع شاه إيران تنازل بموجبها العراق عن شط العرب وعن المطالبة بالأحواز مقابل توقف إيران عن تقديم الدعم العسكري واللوجستي للثوار الكورد والتي سميت  باتفاقية الجزائر  بمبادرة  أمريكية و جزائرية و كان عرابها وزير الخارجية الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة انذاك . . فقد كان البارزاني مدعوما من قبل شاه ايران محمد رضا البهلوي الذي قطع هذا الدعم بعد التوقيع على الاتفاقية. غادر بعدها البارزاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث توفي فيها عام 1979م، في مستشفى جورج واشنطن إثر مرض عضال. ونقل جثمانه في الرابع من اذار 1979  الى مدينة شنو في شرقي كوردستان. وبعد تحرير كوردستان من نير النظام البائد تم في السادس من تشرين الاول 1993 نقل رفات الخالد  مصطفى البارزاني وابنه  ادريس البارزاني الى مسقط رأسيهما في بارزان  وفي مراسيم شعبية ورسمية شارك فيها شعب كوردستان بجميع قواه الوطنية والشعبية ومن كل  اجزاء كوردستان……. رحم الله الاب الخالد الملا مصطفى البارزاني وكل شهداء كوردستان……والله ولي  التوفيق. 

بقلم: المحامي سعد حسين


شاهد أيضاً

الكورد… والرقص على أوتار السياسة

عزالدين ملا- إعلامي كردي سوري في خضم كل ما يجري على الساحة السورية خاصة والاقليمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *