خريطة طريق مرحلية لمواجهة صفقة القرن
الرؤية الاستشرافية لمستقبلفلسطين حتماً هي: “التحرير وعودة اللاجئين وبناء الدولة وعاصمتها القدس“، أما الرؤية التي نطرحها هنا فهي عبارة عن خريطة طريق للمرحلة الآنية القريبة.
إن مستقبل فلسطين الذي نسعى له لا ينفصل البتة عن المحيط العربي والإقليمي والدولي، ومن هنا نرى أن مستقبل فلسطين في مستقبل عمقها العرب والإسلامي والدولي، وأن تقسيم المنطقة -في اتفاقية سايكس بيكو قبل 102 سنة- على أساس من الدولة القُطرية ونفياً للرابط القومي كان مفترقاً مفصلياً في حاضر فلسطين، جسده وعد بريطانيا (وعد بلفور) وممارساتها حينها لتكريس العصابات الصهيونية على أرض فلسطين.
ومن هنا نؤكد ضرورة اعتذار بريطانيا عن كل ذلك والالتزام بما يترتب على ذلك من آثار قانونية وسياسية ومعنوية ومادية. إن الدولة القُطرية التي أنجبها سايكس بيكو لم تحافظ ولو على جزء من فلسطين، وكذا أصبحت دولة فاشلة غير قادرة على القيام بدورها تجاه مواطنيها.
وليس غريباً -بعد مرور 102 سنة على سايكس بيكو- أن يستمرئ الأغراب العبث بالمنطقة، وأن يطرحوا مشروعهم للفوضى الخلاقة على طريقة استنساخ سايكس بيكو أو قل “بومبيو/لافروف” في هذه المرحلة.
“إن مستقبل فلسطين الذي نسعى له لا ينفصل البتة عن المحيط العربي والإقليمي والدولي، ومن هنا نرى أن مستقبل فلسطين في مستقبل عمقها العرب والإسلامي والدولي، وأن تقسيم المنطقة -في اتفاقية سايكس بيكو قبل 102 سنة- على أساس من الدولة القُطرية ونفياً للرابط القومي كان مفترقاً مفصلياً في حاضر فلسطين، جسده وعد بريطانيا (وعد بلفور) وممارساتها “
ومن هنا؛ فإننا نوجه الدعوة إلى الحفاظ على الدولة القُطرية اليوم مع إعادة الاعتبار لشعوبها بحصولها على العدالة والحرية والديمقراطية والمساواة. وذلك لصيانتها من الفشل على طريق إعادة الاعتبار للمنطقة، وإبطال مشاريع الاستنساخ والتقسيم لبلدانها، ولحماية فلسطين من ضياع مداه الزمني طويل.
أما مستقبل فلسطين فإنه مرهون بمراحل عمل إستراتيجية ثلاث:
المرحلة الأولى: العمل على توفير بيئة مواتية تمثل حاضنة تضمن الحفاظ على الحق الفلسطيني وإسناده، والحفاظ على جاهزية فلسطينية عالية استعداداً لأي تغير في النظام الدولي (احتمال ذلك قائماً) ليتم توظيفه في صالح مستقبل فلسطين.
المرحلة الثانية: الاستعداد لمرحلة عودة فلسطين إلى خريطة العالم عبر منظومة تشمل رؤى تفصيلية يمكن إيجازها في المحاور الثلاثة التالية:
1- إصلاح مؤسسات الشعب الفلسطيني ومنها فصائل العمل الوطني والمجتمع المدني مؤسسياً، وعلى رأسها منظمة التحريروالسلطة الفلسطينية، عبر نظام ديمقراطي وتمثيل عادل وتطبيق لمعايير الحكم الرشيد، وتمثيل شبابي وتأهيل للكادر الوطني، واعتمادها مرجعية سياسية وحيدة للقرار الفلسطيني المستقل.
2- بناء منظومة أمن قومي فلسطيني على أساس أننا في مرحلة تحرر وطني، واعتماد إستراتيجية فلسطينية وطنية جامعة لمواجهة “صفقة القرن” سياسيا وإعلاميا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، لبناء دولة فلسطين كاملة السيادة في حدود عام 1967 في هذه المرحلة.
3- صيانة الأمن الفكري والثقافي عبر عملية التربية الفلسطينية الشاملة، مع تأكيد قيم الاحترام والعدالة والتعددية.
4- إدارة العلاقات الخارجية على أساس من فهم اضطرابات الإقليم لتجنيب شعبنا آثارها السلبية ومنها وسم شعبنا بـ”الداعشية”، مع تعزيز شبكة علاقات عالمية واسعة عبر توظيف حكيم للجاليات الفلسطينية والتمثيل الدبلوماسي، ومنح أولوية للعمق العربي -خاصة مصر والأردن وسوريا ولبنان– على أساس من علاقات متوازنة عنوانها “فلسطين أولاً”.
5- منح الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات دوراً رئيسياً في صناعة القرار الفلسطيني، مع توفير بيئة بحث علمي رصين، وفتح القنوات لأصحاب الفكر والرأي والمراكز العلمية ومع قادة السلطة ومنظمة التحرير والفصائل.
وتتلخص أولويات المرحلة الفلسطينية الراهنة فيما يلي:
1- منح القدس أولوية قصوى لمواجهة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ودعم انتفاضتها وإبطال تهويدها وإسناد أهلها ومؤسساتها.
2- إنهاء الحصار المفروض على غزة بالتحرك الإقليمي والدولي لرفعه، من أجل تعزيز قدرتها على الصمود في وجه العدوان الصهيوني.
3- المصالحة الفلسطينية الثابتة والدائمة، وإنهاء أي مظاهر للانقسام، وعلى رأس ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنيةتعتمد برنامج الحكومة الحادية عشرة، وتنظيم الانتخابات لكافة مؤسسات الشعب الفلسطيني.
“في المرحلة الثالثة والأخيرة من رؤية مستقبل فلسطين؛ نحتاج إلى الاستعداد الجاد لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة الكاملة السيادة، ومن ذلك إعداد الإنسان على أساس من “بناء رجال دولة”، وكذا توفير البيئات والمقدرات والأدوات لبناء فلسطين المستقبل وعاصمتها القدس، وهذه المرحلة تحتاج إلى رؤى تفصيلية تجيب على الأسئلة الحرجة”
4- توظيف عضوية الأمم المتحدة لإتاحة حضور أكبر للقضية فيها وتعزيز روايتها، وتعرية الاحتلال وتعزيز التمثيل الفلسطيني في المؤسسات الدولية.
5- مواجهة موجة التطبيع المتزايدة مع “إسرائيل“، وعلى رأس ذلك التطبيع الاقتصادي والرياضي والثقافي.
أما الدور العربي المأمول لإسناد هذه الرؤية فيتمثل في:
1- ندعو الدول العربية إلى إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ومراعاة حساسيتها، وعدم التدخل في شؤونها المؤسسية الداخلية حفاظاً على وجود قرار فلسطيني مستقل.
2- عدم توريط أبناء الشعب الفلسطيني بمناطق الشتات في قضايا الدول الداخلية، وعدم فرض مواقف عليها خاصة في مصر وسوريا ولبنان والأردن.
المرحلة الثالثة: الاستعداد الجاد لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة الكاملة السيادة، ومن ذلك إعداد الإنسان على أساس من “بناء رجال دولة”، وكذا توفير البيئات والمقدرات والأدوات لبناء فلسطين المستقبل وعاصمتها القدس، وهذه المرحلة تحتاج إلى رؤى تفصيلية تجيب على الأسئلة الحرجة. “وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”؛ (يوسف، الآية: 21).