البلدة الصامتة


الكاتبة شمس عنتر

الحرب كانت في أيامها الأخيرة والجيش الإيراني ما يزال يحتل تلك المدينة التابعة لإقليم كوردستان والتي تبعد عن حدود إيران حوالي ١٠ ميل فقط ، الجيش العراقي يتقدم ويقصف المدينة بالغاز الكيمياوي قبل أن يدخلها .
الجثث مرمية في كل مكان عند الأبواب في الشوارع في البيادر والأسواق، جماعات وأفراد كبار وصغار ، نساء ورجال .
أتخذ كل واحد منها حركة مسرحية ،هذه التي ترضع صغيرها وذاك الذي يحتضن ولده والطفل الذي مد يده لتناول قطعة الخبز وسائق الشاحنة الذي ما يزال ممسك بالمقود.
آلاف الجثث تحكي قصص لحظة فقدها الحياة وهي تشم غازا يشبه رائحة التفاح!
إنها إبادة جماعية بكل المقاييس أكثر من خمسة آلاف شخص فقدوا حياتهم بنفس اليوم وآلفان لحقوهم متأثرين بالمضاعفات، وولادات مشوهة وسرطانات تحكي قصة وحوش على هيئة بشر مروا من حلبجة ،حتى بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود من الزمن عليها.
حملات الأنفال التي بدأت ب ٢٢ شباط من عام ١٩٨٨ وبلغت عددها ثمانية حملة، كانت حلبجة الأكثر دموية بينها ،جاءت تسمية الأنفال من سورة من القرآن رقم ٨ وهي تعني الغنائم والأسلاب واستخدمت الحملة البيانات العسكرية من السورة رقم ١١ من من سورة الأنفال، والذي قام بها هو علي حسن المجيد الذي غلب عليه لقب علي الكيماوي ،الحملات استهدفت الكرد مع الأشوريين والسريان والكلدان والشبك والتركمان واليزيدين والمندائيون فأغلب قرى هذه المكونات دمرت .
وبلغ عدد الضحايا ١٨٢٠٠٠ شخص وتدمير ١٢٧٦ قرية ونزوح ما لا يقل عن مليون شخص واختفاء أكثر من ١٧ ألف شخص ووضع قرابة نصف مليون كُردي تحت الإقامة الجبرية ،ودفن الألف في مقابر جماعية في مناطق نائية ،وما تزال مناطق حملات الأنفال هي الأكثر نسبة بانتشار السرطانات ،وماتزال المخلفات الكيمياوية ترعب الناس هناك والتشوهات منتشرة .
إنه أكبر هجوم بالأسلحة الكيماوية في التاريخ الحديث، هجوم استهدف منطقة مأهولة بالسكان المدنيين قصفت بأوامر من صدام حسين.
صدام حسين الذي حكم العراق من ١٩٧٠ -٢٠٠٣ والذي قتل أكثر من مئة ألف شخص في الدجيل والأنفال وحلبجة وحدهم.
وقسّم ظلمه بالعدل بين شعبه ، شيعة وسنة واكراد ومسيحين وطعن جيرانه من الطرفين الكويت وإيران.
وهو صاحب مؤامرة رفاق الدرب الموثقة بالصوت والصورة حيث أمر بإعدامهم .
وأعُدم هو عام ٢٠٠٦ ولم يعترف بذنبه ، رغم أن محكمة هولندية حكمت على فرنسيس فان انرايت رجل الأعمال الذي اشترى المواد الكيمياوية من السوق العالمية وقام ببيعها لنظام صدام حسين، حكمت علية تلك المحكمة ب ١٥ عاما من السجن بعام ٢٠٠٥ وأعلنت نفس المحكمة بأن صدام حسين هو المسؤول عن ارتكاب تلك المجزرة .
و المحكمة العراقية العليا اعترفت بأن الهجوم الكيمياوي على حلبجة إبادة جماعية ضد الكُرد عام ٢٠١٠ .
وأقر البرلمان السويدي والبريطاني كذلك بأنها إبادة جماعية وكندا وصفتها رسميا بأنها جريمة ضد الإنسانية.
حوالي ٢٢ شركة زودت نظام صدام حسين بالأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا والمفروض أن لا يتوقف أهالي الضحايا الشهداء عن المطالبة بمقاضاتها لتكون عبرة لغيرها.
وقد تم توثيق حلبجة في الذاكرة العالمية مثل إبادة الأرمن والأشوريين والمحرقة اليهودية.

بقلم الكاتبة شمس عنتر

شاهد أيضاً

استقالة القيادية في مكتب المرأة في أنكسي، ونعمة داوود يعتبر الحديث في الشأن العام «قال وقيل »

خاص: Nûdem صورة للسيدة آريا جمعة@خاص Nûdem قدمت السيدة آريا جمعة القيادية في اتحاد نساء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *