ضرائب وأسعار تخنقهم.. إسبانيا ملاذ محدودي الدخل بفرنسا

ضرائب وأسعار تخنقهم.. إسبانيا ملاذ محدودي الدخل بفرنسا

المحال التجارية الاستهلاكية جنوب فرنسا تشكو تراجع الزبائن لفائدة نظيرتها بإسبانيا (الجزيرة نت)
المحال التجارية الاستهلاكية جنوب فرنسا تشكو تراجع الزبائن لفائدة نظيرتها بإسبانيا (الجزيرة نت)

عبد السلام حاج بكري- جنوب فرنسا

يحدث في فرنسا، البلد الأشهر بالأزياء الفاخرة وصناعة الأجبان والعطورات ومختلف أنواع الصناعات الراقية، أن يرحل سكانه باتجاه الدول المجاورة للتبضّع وشراء هذه المواد أو ما يشبهها لأنهم لا يملكون القدرة على الشراء من بلدهم.

مئات السيارات تزدحم بها الطرقات المؤدية إلى إسبانيا، يقصد سائقوها وركابها المحلات التجارية المتنوعة لشراء احتياجاتهم الاستهلاكية اليومية، لأنها تبيعها بسعر أقل مما هو متداول في فرنسا، وقد تراجعت قدرتهم الشرائية بشكل كبير بسبب زيادة الضرائب وارتفاع الأسعار ومراوحة الرواتب مكانها، وهذه كانت سببا مباشرا في احتجاجات حركة السترات الصفراء التي بدأت قبل أسابيع.

بضائع متنوعة
أكثر ما يبتغي سكان مناطق جنوب فرنسا شراءه من إسبانيا هو المواد الاستهلاكية اليومية كالطعام والخضار والفواكه والسجائر والوقود، إذ غالبا ما يقصد كل منهم إسبانيا مرة واحدة أسبوعيا على الأقل ليملأ خزان وقود سيارته ويشتري ما يكفيه لمدة أسبوع.

في جولة على أسواق مدينة بوسوست الإسبانية المجاورة لفرنسا، استطلعت الجزيرة نت أسعار أهم المواد التي يركّز الفرنسيون على شرائها، وخلصت إلى أن الفوارق السعرية واضحة تماما، تتراوح بين 20% للوقود و50% للخضار والفواكه والتبغ، وبين الرقمين تتراوح أسعار بقية أنواع الطعام والمستهلكات اليومية.

وبعد أن ملأ خزان سيارته بالوقود وصندوقها بالبضائع، قال فرانسوا الرجل السبعيني وهو من مدينة لورد الفرنسية “لم يعد بوسعي شراء احتياجاتي وزوجتي من فرنسا، راتبي التقاعدي لا يكفي، أضطر لشرائها من إسبانيا نظرا للفوارق الكبيرة بالأسعار”.

أما الشابة كريستين التي حضرت مع صديقها لشراء التبغ وبعض الفواكه فقد أشارت إلى أن وضعها المادي جيد، لكنها لن تشتري من فرنسا شيئا احتجاجا على السياسة الاقتصادية للرئيس إمانويل ماكرون وحكومته القائمة على “الاستقواء على الفقراء ومحاباة الأغنياء”.

لا توجد إحصائية رقمية لعدد الفرنسيين الذين يتسوقون من إسبانيا، وكذلك المبالغ التي يدفعونها هناك وتخسرها فرنسا، غير أن هناك تقديرات بمئات ملايين الدولارات، حسب رأي “لطفي” تاجر الخضار والفواكه الفرنسي من أصول مغربية.

حسب تجار غالبية سكان جنوب فرنسا يقصدون إسبانيا للشراء بسبب فارق الأسعار الكبير (الجزيرة)

ويعتقد التاجر أن غالبية سكان جنوب فرنسا -الذين يسكنون بجوار الحدود الإسبانية على سفوح جبال البيرنيه وجوارها ويقدر عددهم بخمسة ملايين شخص- يقصدون إسبانيا لشراء حاجاتهم اليومية، ومنهم من يوفّر احتياجاته من الأسواق الأسبوعية المتنقلة بين مدن الجنوب التي تأتي بضائعها من إسبانيا.

ويقول لطفي في حديثه للجزيرة نت “أشتري الخضار والفواكه من إسبانيا حيث يقلّ سعرها حتى النصف، وأبيعها في محليّ التجاري الذي يقصده الفرنسيون بكثرة، لأن سعرها يبقى دون أسعار نظيرتها الفرنسية رغم أني أزيد عليه ما يحقق لي الربح”.

نزف أموال
الأرقام المالية والسلعية لعملية التسوق من إسبانيا لا تدخل في السجلات الرسمية نظرا للحدود المفتوحة بين البلدين، ولكن ما يثير الدهشة هو عدم تحرّك الحكومة الفرنسية باتجاه إيجاد حل لنزف أموالها خارجا، لا سيما أن سكان المناطق المجاورة لكل من إيطاليا وألمانيا وبلجيكا أيضا يتسوقون من هذه البلدان نظرا للفروقات الكبيرة في الأسعار التي يعود سببها الرئيسي للضرائب الأعلى في فرنسا.

 وأكد روجيه مسؤول المكتب الاقتصادي في بلدية مدينة لورد الجنوبية ضرورة رفع القدرة الشرائية للمستهلك الفرنسي، عبر تخفيض الضرائب على المواد الاستهلاكية، وزيادة رواتب ضعيفي الدخل.

ولم يبد المسؤول تفاؤلا بسير الحكومة بخطوات في هذا الاتجاه، ورجح ازدياد أعداد الفرنسيين الذين يتوجهون إلى إسبانيا للتسوّق، بسبب تعنّت الحكومة وإصرارها على سياساتها الاقتصادية التي تأذّى منها الفقراء وأصحاب المحلات التجارية الكبيرة جنوب فرنسا، حيث تراجعت نسبة مبيعاتها بـ 20% خلال عام 2018، حسب قوله.

ولم تنجح عملية رفع الحد الأدنى للأجور وإلغاء الضريبة الأخيرة على الوقود بوقف هجرة المستهلك الفرنسي إلى الأسواق القريبة خارج بلده.

ولم تَعِد الحكومة بأي جديد يخفف عبء الغلاء والضرائب على الطبقات المتوسطة والفقيرة في المجتمع، والتي تطالب بمساواتها مع الجيران الأوروبيين بنسبة الضرائب لا سيما على المواد الأساسية.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

أكراد سوريا و الخوف من مستقبل البلاد المجهول.

بعد الانقلاب الذي حدث في الثامن ديسمبر، والذي قادته هيئة تحرير الشام، قامت تركيا بتوجيه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *