الجدل بين المصطلحات السياسية والخلاف الجوهري بينها

الدكتور الصحفي مسعود حامد

رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمؤسسة Nûdem الإعلامية

الخلاف بين المصطلحات السياسية في المجتمعات كثيرة جداً هناك ما يمكن التعامل معها وهناك ما يكون الخلاف جذريا كمثل اللامركزية، واللامركزية السياسية و اللامركزية الإدارية، وكذلك الفيدرالية و الكونفدرالية.

هذه المصطلحات شائكة و لا يمكن فكها من بعضها دون العودة لمعرفتها بالشكل الصحيح، فهي ربما تكون دماراً للشعوب في حالة عدم فهمها بالمعنى الصحيح.

لنتعمق أكثر في الجدل بين المركزية واللامركزية، ثم نوضح الفرق العملي بين اللامركزية الإدارية والسياسية من خلال أمثلة واقعية من دول مختلفة في العالم ونري مدى أهميتها في قوة الدول المحصنة.

أولاً: لماذا أهمية الجدل بين المركزية واللامركزية. (Centralisation, Decentralisation)؟

الجدل، والخلاف بين هذه المصطلحات واسعة جداً، بين المركزية واللامركزية هو في جوهره نقاش حول من يملك السلطة وأين تُتخذ القرارات داخل الدولة أو المؤسسة، لكسب المصالح الشخصية من ناحية والقوة السياسية من ناحية آخرى خاصة في الدول الشمولية و القمعية التي لا تؤمن بالتعددية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

الفرق بينهما من حيث المعرفي:

• الدول المركزية تميل إلى التركيز على الوحدة والقوة الوطنية.
• أما الدول اللامركزية فتركز على الحرية المحلية والمشاركة الشعبية.

ثانياً: مفهوم المركزية من حيث المعنى والتطبيق في المجتمعات:

المعنى السياسي لمصطلح المركزية:

المركزية تعني أن السلطة والقرارات الكبرى تبقى في يد الحكومة المركزية (في العاصمة)، وكل الإدارات المحلية تنفذ فقط ما يُقرر في الأعلى، بهذه المعنى وخاصة في المدن التي لا تعترف إلا بآلات القمع يكون هذا النظام هي مقتلة الشعب.

أمثلة واقعية:
• فرنسا قبل الإصلاح الإداري في الثمانينيات: كانت مثالًا نموذجيًا على الدولة المركزية، حيث تُدار كل شؤون البلديات والولايات من باريس.
• مصر: الحكومة المركزية في القاهرة تدير أغلب القطاعات (التعليم، الصحة، النقل…)، والمحافظون يُعيَّنون من قِبل رئيس الدولة.

في الدول التي تحترم الشعوب ويكون القانون فوق الجميع هناك إيجابيات لهذا النظام:

• توحيد القوانين والسياسات على مستوى الدولة.
• سهولة ضبط الأمن والإدارة في دولة كبيرة.
• اتخاذ قرارات سريعة في أوقات الأزمات.

ولكن كما أسلفنا إذا كانت الدول قمعية وديكتاتورية يكون نظاماً سلبياً بكل المقاييس ومن تلك السلبيات:

• ضعف مشاركة المواطنين في إدارة شؤونهم.
• بطء الاستجابة للاحتياجات المحلية.
• تزايد البيروقراطية والروتين الإداري.

يُعتبر مصطلح اللامركزية هو النقيض لمصطلح المركزية والمنافس له في القوانين و التطبيق، وحتى بين الشعوب والمكونات.

ثالثاً: الغاية من اللامركزية

المعنى:

تعني مفهوم اللامركزية في الدول التي يُطبق فيه هذا النظام، يكو توزيع الصلاحيات والقرارات على مستويات أدنى من الإدارة، سواء كانت محافظات، بلديات، أو مناطق ذات حكم ذاتي، أو بأي شكل يتم التفاهم فيها بين المركز والسلطات المحلية.

الغاية من هذا النظام هو التعرف بين السكان المحليين و السلطات ومنها تقريب السلطة من المواطن.

اللامركزية الإدارية (Administratif Decentralisation):

المعنى من مفهوم للامركزية الإدارية، هي في الواقع نقل السلطات الإدارية والتنفيذية فقط إلى مستويات محلية (مثل المجالس البلدية أو الإقليمية)، دون نقل السلطة السياسية العليا، في هذه الحالة تبقى تلك الإدارات مقيدة بقرارات المركز التي ربما لا تكون في صالح السكان في تلك البقعة الجغرافية من الدولة.
أي أن القرارات التنفيذية تُتخذ محليًا، لكن القوانين والسياسات العامة تُحددها الحكومة المركزية.

فرنسا اليوم بعد إصلاح 1982:

لديها مجالس إقليمية ومحلية تدير التعليم والنقل المحلي والصحة، لكن تحت إشراف الدولة المركزية في باريس.

بعض الأشكال في الإدارات اللامركزية والتي لا تُطبق في الدول القمعية و الديكتاتورية وهي :

1. عدم التركيز الإداري: نقل بعض الصلاحيات إلى ممثلين محليين تابعين للدولة (مثل المحافظ).
2. اللامركزية المرفقية (المؤسساتية): منح مؤسسات عامة (مثل جامعة أو مستشفى) استقلالًا إداريًا وماليًا.
3. اللامركزية الإقليمية: منح الأقاليم أو البلديات صلاحيات لإدارة شؤونها المحلية (الطرق، النظافة، النقل…).

الهدف منها في الدول المتقدمة:

• تحسين الخدمات العامة، والخاصة والمنافسة الشريفة في كافة مجالات الحياة.
• تخفيف العبء عن الوزارات المركزية، ودعمها محلياً من أجل التقدم والتطوير.
• تعزيز الكفاءة والمساءلة المحلية، ومنع توسيع فجوات الفساد.

اللامركزية السياسية (Political Decentralization):

المفهوم العام لهذا المصطلح هو:

هي نقل السلطة السياسية، والإدارية إلى هيئات منتخبة تمثل المواطنين محليًا، وتمتلك صلاحيات تشريعية وتنفيذية في نطاقها، الجغرافي والإداري، بمعنى أخر أن الإقليم أو الولاية لا يطبّق فقط قرارات المركز، بل يشارك في صنع القرار السياسي نفسه.

ومن هذه الدول التي يُطبق مثال:
• الولايات المتحدة الأمريكية:

كل ولاية لها برلمان خاص وحاكم منتخب، وتضع قوانينها الخاصة في التعليم والصحة والأمن المحلي.

• ألمانيا:

كل ولاية لها حكومة وبرلمان، وتشارك في صياغة القوانين الاتحادية.

• إسبانيا:

الأقاليم (مثل كتالونيا) تمتلك برلمانًا محليًا وحكومة إقليمية لها صلاحيات واسعة في التعليم والشرطة والضرائب.

الهدف:
• تعميق الديمقراطية والمشاركة الشعبية.
• تعزيز الهوية المحلية ضمن وحدة الدولة.
• تمكين المواطنين من مراقبة سلطاتهم المحلية.

المخاطر المحتملة من هذا النظام إذا كانت الدولة ذو تفكير أُحادي:

• تنامي النزعات الانفصالية (كما في كتالونيا بإسبانيا).
• ضعف التنسيق بين المركز والأقاليم.

 

مقارنة شاملة:

 

البند.                                       المركزية.                                  اللامركزية الإدارية.                              اللامركزية السياسية

نطاق السلطة.                     السلطة في العاصمة.                     نقل سلطات تنفيذية.                     نقل سلطات سياسية و تشريعية   

المستوى المحلي.                 ينفذ فقط.                                   يدير بعض القطاعات.                     يسن قوانينه ويدير بعض سياساته

الهيئات المحلية.                   معينة من المركز.                      ذات شخصية اعتبارية مستقلة.           منتخبة من الشعب بشكل مباشر

المثال الواقعي.                    مصر وتونس (سابقاً).                  فرنسا والمملكة المغربية.                 الولايات المتحدة وألمانيا

الهدف الأساسي.                توحيد القرارات.                           تحسين الكفاءة الإدارية.                  تعزيز الديمقراطية والمشاركة 

 

في النهاية:

هذه بعض الأفكار التي طرحناها ربما تكون من جهة ذات فائة ومن جهة آخرى سيئة حسب نظام الحكم في تلك المجتمعات التي اعتمدت عليها. ولكن في كل الحالات النظم الشمولية تبقى هي النظم التي تُدمر الشعوب ولا يكون هناك مجال ليكون الشعب شريك للسلطة واتخاذ قرارها السياسي أو العسكري. بل تبقى الشعوب عبيدة المركز، لذا تحاول بعض الشعوب التي قُمعت تحت وطأة القهر من السلطات القمعية، لذا تطالب باللامركزية لتكون شريكة السلطة في قيادة الدولة.

 

  • Related Posts

    “مؤامرة الحبر – جنازات قصائد مذبوحة”

    برعاية الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا واتحاد كتاب كوردستان – سورية، أقيم في قلعة كافيه مساء يوم أمس في فعالية ثقافية مميزة حفل توقيع ديوان الشاعر فرهاد دريعي…

    الولايات المتحدة تدرس إلغاء العقوبات على سوريا.

    ✏️محمد أمين عبدالله صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية “تامي بروس” مساء اليوم الجمعة،” أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدعم إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر” من خلال…

    You Missed

    “مؤامرة الحبر – جنازات قصائد مذبوحة”

    • من admin-roz
    • نوفمبر 3, 2025
    • 182 views
    “مؤامرة الحبر – جنازات قصائد مذبوحة”

    الولايات المتحدة تدرس إلغاء العقوبات على سوريا.

    الولايات المتحدة تدرس إلغاء العقوبات على سوريا.

    إيدي كوهين.. “الأقليات في سوريا تتحسر على زمن الأسد… والاتفاق بين دمشق وقسد مؤقت”

    • من Nudem
    • أكتوبر 31, 2025
    • 3753 views
    إيدي كوهين.. “الأقليات في سوريا تتحسر على زمن الأسد… والاتفاق بين دمشق وقسد مؤقت”

    اختتام فعاليات معرض الشهيد هركول الدولي للكتاب في قامشلو

    • من admin-roz
    • أكتوبر 27, 2025
    • 301 views
    اختتام فعاليات معرض الشهيد هركول الدولي للكتاب في قامشلو

    الانتخابات الامل الفيدرالي للشعب القبرصي

    • من Nudem
    • أكتوبر 25, 2025
    • 665 views
    الانتخابات الامل الفيدرالي للشعب القبرصي

    وفاة مراسلة روج آفا كولى جاويش بعد صراع طويل مع مرض عضال

    • من Nudem
    • أكتوبر 25, 2025
    • 454 views
    وفاة مراسلة روج آفا كولى جاويش بعد صراع طويل مع مرض عضال