سارعت روسيا بعدما اتيحتْ لها الفرصة الذهبية لأن تشغل لفراغ الذي حصل في المنطقة ولا سيما بعد أيام قليلة من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب قوات الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية من شمال و شرقي سوريا مبرراً ذلك نهاية الحرب على داعش و تجلى ذلك من خلال تغريدة سريعة له على حسابه على تويتر بتاريخ 7 / 10 / 2019 و كذلك بعد إفساحه المجال للهجوم العسكري التركي بتاريخ 9 / 10 / 2019على منطقة ما يُسمّـى بشرقي الفرات أو كوردستان سوريا و خاصة على منطقتي تل أبيض و رأس العين.
فهذا التغيير المفاجئ الذي حصل في السياسة الأمريكية فما كان من ردة فعل روسيا إلا أن استعادت قواها و تنفـّست الصعداء و لربما وصل الأمر بها لتشعر أنها أصبحت القوة العالمية الوحيدة في الشأن السوري.
لذا عمدت إلى بناء تفاهمات جديدة و مستعجلة بين النظام السوري وقسد من جهة و بينها و بين الدولة التركية من جهة أخرى لتعلن بذلك انتصاراً سياسياً قد يسجل لها بالفعل و نتج عن تلك التفاهمات هدنة ثانية في لقاء جمعت بين الرئيسين بوتين و أردوغان في سوتشي بعد الهدنة الأولى التي أبرمها الرئيس الأمريكي مع الجانب التركي و قوات قسد حيث تم بموجب هدنة ترامب إخلاء قوات قسد للمناطق الحدودية مع تركيا و بعمق ما يقارب ٣٢ كم .
و اما هدنة بوتين- اردوغان الثانية اتاحت بموجبها المجال لتسيير دوريات مشتركة بين الجانبين الروسي والتركي و على الحدود المشتركة بين سوريا و تركيا و بعرض 7 الى 14كم و نشر لقوات الجيش السوري على بعض مناطق الشمال المتعرضة للهجمات التركية ومرتزقتها لتمثل شكلا من أشكال السيادة الوطنية.
و لكن بعد أيام قليلة جداً أو حتى إذا جاز التعبير بعد بضع ساعات من قرار الرئيس الأمريكي بسحب قواته اصطدم قراره هذا بمواجهة قوية و عنيفة من قبل أغلب الأوساط الرئيسية ذات القرار في الشأن الأمريكي و من أعلى المستويات و توحدت مواقف الحزبين الرئيسين( الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي) ضد قرار الانسحاب الأمريكي الذي اتخذه الرئيس ترامب. لذلك عدل الرئيس ترامب عن قراره السابق بقرار آخر وهو عودة قواته مرة أخرى لشرقي الفرات و ذلك تحت يافطة ما تسمى مواصلة الحرب على الارهاب المتمثل بداعش وغيرها من المجاميع التكفيرية المسلحة ومن أجل حماية آبار النفط, و تكلل ذلك ميدانياً بعمليتين موفقتين أولاهما: مقتل ابي بكر البغدادي القائد العسكري العام لداعش و ثانيهما مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني حتى يتم الأخذ بعين الاعتبار بأن لهذه القوات الامريكية تمتلك القرار النهائي في ترتيب المنطقة, وأنها موجودة بقوة لحماية موقعها في المعادلة العالمية.
و بعد إعادة انتشار ثان للقوات الأمريكية في بعض قواعدها ومواقعها الأصلية التي تخلت عنها في وقت سابق بمناطق ما يسمى بشرقي الفرات و ليست بالمدة الزمنية البعيدة تصادم حضورها مع وجود منافسة قوية لها من قبل القوات الروسية في بعض هذه المناطق حيث تقوم هي الأخرى بتسير دورياتها و خاصة انطلاقا من تل تمرغرباً و انتهاءً بمعبر سيمالكا شرقاً و على امتداد الطريق الدولي M4 وهذا الأمر أدى إلى إثارة غضب الأمريكان بوجود منافس حقيقي آخر لهم على أرض الواقع لذا قامت القوات الأمريكية المسلحة بتسير دورياتها العسكرية لتقطع كل الطرق الرئيسية امام القوات الروسية و تحشرها على أفق ضيق من امتداد الحدود مع تركيا.
و ما قد يستنتج من هذه الوقائع العسكرية المتصاعدة و ما يشاهد بالعين المجردة على أرض الواقع من تحد مباشر لكلا الدولتين السابقتين بالذكر يثبت بالتأكيد على هشاشة الاتفاقيات المرحلية بينهما في رسم مصير سوريا المستقبلي و يظهر ذلك جلياً في صراعهما المتكرر و بشكل يومي و قد وصل الأمر بهما أحيانا للعراك بالأيادي و التصادم فيما بينهما عسكريا لحد اصطدامهما ببعضهما بالمصفحات العسكرية و هذا ما قد يستخلص منه أنها منافسة بين من يريد بسط سيطرته على أكثر الأماكن استراتيجية في الاقتصاد والمخزون النفطي.
و بالرغم من هذا التنافس الساخن لكلا الدولتين فهما تحاولان التقارب و مراضاة الدولة التركية التي تتنافس هي الأخرى بدورها في الصراع على هذه المنطقة للوصول إلى آبار النفط مستغلة و مستخدمة بذلك حجج جاهزة دوما في اختراقاتها وغزواتها لخارج حدودها لحماية آمنها القومي و محاربة الإرهاب وما قد يمكن تأكيده انها فقط تستغل جملة هذه الصراعات بين الدول الكبرى المتصارعة في انمذجة مصالحها.
و هنا ما يمكن قوله: إن تركيا قد تكون المستفيدة الأكبر في خضم هذا الصراع بين الأقوياء كونها دولة تمتلك طبيعية جيوسياسية ناهيك انها تمثل احد السدود الرئيسية لمنع لتشيع و إشاعة دولة ايران الأسلامية بينما الخاسر الأكبر من هذا التناقض هم الكورد و العرب و باقي الأقليات اذا ما استمرت فوهة البندقيات سائدة في هذه المنطقة التي تصطلح علبها امريكيا بشرقي الفرات .
لذا يمكن ما يمكن استنتاجه بأنه يستبعد التشكيك بحدوث حرب حقيقية بين هاتين الدولتين الرئيستين أمريكا أو روسيا و رغم ما يحدث بينهما بين مد وجزر و ذلك لأنهما بالأساس متفقان على إطالة الصراع السوري ليجعلان منها دولة فاشلة بكل معنى الكلمة و لا يوجد حتى الأن أي نية حقيقة لكلاهما لصنع نظام ديمقراطي فدرالي و يفتقران في نفس الوقت لبناء مشروع سياسي ينهيان به حالة الحرب و هجرة السكان بقدر ما يسعيان إلى فرض لنفوذهما بشكل أكثر و اكبر .