من الهلوكوست الى ربيع العرب، الأيديولوجيات المتطرفة عبر التاريخ

تحرير:

حيدر يوسف

حين تسكت اصوات الرصاص ، هذا لا يعني أن السلام قد حلّ ، فالحرب كثيراً تترك من خلفها فراغاً سياسياً و امنياً وازمات اقتصادية واجتماعية ، كارضٍ خصبةٍ جاهزةٍ لتُنبت حركات متطرفة تبحث عن هاوية بديلة أو انتقام موعود ، فمن جمهورية فايمر بعد الحرب العالمية الاولى التي أنجبت النازية ، إلى ثورات الربيع العربي التي فتحت ابوابها على مِصراعيها للتنظيمات الاسلامية………
جميعها تقف كشواهد على أن الصراع لا ينتهي عند توقيع اتفاقيات السلام او إسقاط الأنظمة الأستبدادية ، بل قد تكون بداية لأشكال اكثر خطورة ، تتمثل في صعود حركات يمينية او راديكالية تحمل وعودً بأعادة الامجاد والخلاص.

_لماذا تتحول المجتمعات الخارجة من الحروب إلى بيئة خصبة للتطرف؟

يُجمع الخُبراء على كون المرحلة ما بعد الحروب واحدة من اخطر المراحل التي تمر بها الشعوب على مدار تاريخها ، اذ تتقاطع عدة عوامل لتجعلها كذالك.

_الفراغ الأمني والمؤسساتي:

في لحظات انهيار الحكومات تُترك البلد عرضة لإنتشار الميليشيات والجماعات المسلحة ، التي تنشر الفساد والفوضى في انحاء البلاد
الهوية الجريحة، من اهم اسباب صعود التيارات اليمينية في مجتمع ما بعد الحرب ، بحث الشعوب عن كبش فداء يرمون عليه اللوائم ، وجعله شماعة لتبرير الهزيمة.

_الأزمات الاقتصادية:

فالبطالة والتضخم يحوّلان اليأس الشعبي إلى وقود للشعبوية
الدعاية والإعلام يعتمد السياسيون على خطاب الكراهية عند عجز حكومتهم عم تلبية المطالب الأساسية للشعوب.

هذه العناصر جعلت من دول عديدة بيئات قابلة للاحتراق ، من ألمانيا الثلاثينات الى الشرق الاوسط ما بعد ثُورات الربيع العربي.

_من فايمار إلى هتلر:
كيف صعد النازيون على ركام الحرب العالمية الأولى

المانيا الخارجة من الحرب العالمية الأولى بدت مختبراً لفهم معادلة التطرف ، الهزيمة في الحرب واتفاقية فرساي المهينة ، أعقبهما تضخم مفرط عام 1923 أكل مدخرات الطبقة الوسطى ، ثم تشكل جمهورية فايمار كجسم هشّ لم يحظَ بالشرعية ، مما حول الشوارع الالمانية الى ساحات صراع بين اليمينين الشيوعيين.

وهنا برز الحزب النازي بوصفه المخلص الموعود ، حاملاً خطابه القومي المتشدد الذي يعد بالإنتقام وهو ما بلغ ذروته مع وصول هتلر إلى سدة الحكم عام 1933.

_الربيع العربي:

حين تفتحت أبواب السياسة أمام الإسلاميين
بعد عقود من الاستبداد السياسي ، إندلعت ثورات الربيع العربي عام 2011 ، وهو ما فتح الباب اما جماعات وفاعلين سياسيين كانوا في السابق من المحظورين ، هنا وجدت الحركات الإسلامية فرصتها الذهبية للانتشار والتوسع.

وكانت طرق وصول الإسلاميين الى الحكم على نوعين ، منها ما كان عبر صناديق الاقتراع كتونس ومصر
ومنها ما كان عبر السلاح مثل ما حصل في سوريا .

_الإسلاميون في صناديق الاقتراع .

ففي تونس ، فاز حزب النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي متصدراً المشهد السياسي في البلاد ، وفي مصر وصل محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين إلى قصر الرئاسة بعد حصوله على 51.7% من اصوات الناخبين ، هذه الانتصارات لم تكن معجزة بل ثمرة لشبكات دعوية وخيرية اسسها الإسلاميون لعقود في الخفاء ، مما جعلهم الجماعات الاكثر تنظيماً وقوة لحظة سقوط الأنظمة.

_وصول الإسلامين الى السلطة عن طريق السلاح:

تحولت سورية بعد عقد ونصف من الصراع ، الى ارض خصبة لنمو الحركات الرادكالية المتطرفة ، ومن ابرز تلك الحركات جبهة النصر وتنظيم الدولة في سوريا والعراق ، التي استثمرت بالخطاب الطائفي والصراع الذي اخذ منحنى مذهبي ، للوصول الى حكم.

وهكذا من تونس الديموقراطية الهشة الى سورية الغارقة في الدم ، كان العامل المشترك فراغ السلطة فشل الدولة في تلبية المطالب الاقتصادية ، والاستقطاب الديني الذي حول الهوويات الدينية والعرقية الى سلاح تعبوي.

في الختام…..
من برلين الثلاثينيات إلى دمشق ما بعد 2011 ، يتكرر المشهد ذاته عندما تضعف الدولة ، وتنهار الهوية القومية ، وتُترك الشعوب في مواجهة الفقر ، فإن الأيديولوجيات المتطرفة تصبح الحل الأكثر إغراءً.
لذالك فإن بناء السلام لا يعتمد على اسكات البنادق فقط. بل يتطلب
إعادة بناء الأقتصاد واستعادة الثقة بمؤسسات الدولة والاهم هو إعادة بناء الانتماء الى فكرة الدولة الجامعة بدل الانتمائات الطائفية والعرقية.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *